المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم الرؤية 2


مسك الليل
2010-06-06, 06:27 PM
ما قبل التجربة
فرضت عليّ ظروف حياتي أن أقوم باستئجار غرفة لي ولأمي لدى شاب يعمل خارج بلده ، وكان بيته خالياً . حدث ذلك مع بدء الدوام الجامعي لي وكنت طالباً مستجداً أدخل الجامعة لأول مرة .
كان يومي موزعاً بين عمل صباحي ، ثم أذهب بعدها إلى الجامعة ، وهناك بعد أن تنتهي المحاضرات كنت أدخل المكتبة فلا أخرج منها حتى تغلق أبوابـها .
ومع مطلع السنة الثانية ، عاد ذلك الشاب إلى بلده ، ليستقر ويتزوج . وعبثاً حاولت أن أجد غرفة بديلة عن غرفته ، كي يتمكن من الزواج في بيته فلم أجد .
كانت مشكلة السكن تتفاقم باستمرار ، فهناك بيوت خالية كثيرة معروضة للبيع ، ولكن ليس هناك غرفة واحدة معروضة للإيجار .
كل ذلك كان خوفاً من أن المستأجر يحميه القانون فلا يستطيع المؤجر أن يخليه من بيته . أمام وضع اجتماعي كهذا ، لم يكن أمامنا من خيار إلا أن نبقى في البيت . ولم يبق أمام صاحب البيت من خيار له ، إلا أن يتزوج قانعاً مضطراً لبقائنا أنا وأمي .
لم يمض على زواجه أسبوعان حتى تعرضت زوجته لحريق من ماء حار جداً ، اندفع عليها ـ وهي منحنية ـ من صفيحة موضوعة فوق نار الغاز وهي تغلي ، فانسكب الماء الحار على مؤخرة رأسها ثم رقبتها ليغطي ظهرها كله .
صُنّف حريقها من الدرجة الثالثة ، وأوشكت على الموت . وبعد علاج طويل في المستشفى خرجت سليمة . ومع الأيام بدأت تعود إلى طبيعتها .
كانت أمي تمنحها كل رعاية وعطف ، وتقوم بخدمة البيت أثناء غيابـها لكونها تعمل مدرِّسة في وزارة التربية ، وفي هذه الأثناء تم التعرف على عائلتها المكونة من أمها وأخت لها تصغرها بسنتين . ثم أخذت العلاقة بـهذه العائلة تشتد أكثر فأكثر ، ومن خلال ذلك كانت هناك ظواهر تدعو للاستغراب . فالبنتان لا يعرفان أباهما منذ طفولتهما ، ويجهلان إن كان والدهما حياً أو ميتاً .
ثم إن هذه الفتاة الأصغر سناً من أختها ، كانت قد تعرضت لحادث مروري من دراجة نارية ، كانت من الشدة أنها خضعت لعمليات جراحية كانت آخرها وهي في سنّ الرابعة عشر عملية تم فيها استئصال الرحم لها .
وكانت لا تزال تعاني ـ وهي تناهز الخامسة والعشرين في ذلك الوقت ـ من مرض عصبي نتيجة لذلك الحادث ، بحيث كانت وهي تسير تتوقف لثوان فجأة ، فإذا ما كانت تحمل أوانٍ سقطت من يدها .
ثم تبين لي أن هذه العائلة ثرية ، ومصدر ثرائها أن أم الفتاتين تعيش في بيت في مكان معروف في دمشق ، والبيت عبارة عن بيت عربي دمشقي قديم من طابقين ، ويعيش معها ثلاثة أخوة ذكور ، أكبرهم سناً تزوج ولم ينجب . وغادر بيت أخته إلى غيرما رجعة .
أما أصغرهم سناً فقد امتد به العمر إلى التسعين عاماً ، ومات وهو أعزب أيضاً .
كان هؤلاء الأخوة تجاراً معروفين بمكانتهم وسمعتهم ، ويبدو أن كثيراً من العائلات قد عرضت فتياتها على هؤلاء الاخوة الذين عرفوا بصلاحهم وعفتهم ، ومع ذلك لم يوافقوا على الزواج منهن .
ومن الواضح أن عدم زواج هذين الأخوين الأوسط والأصغر عائد إلى أن المرأة التي كانت مكلفة بأن تقوم بزيارة العائلة التي تريد أن تمنح ابنتها لأحدهما كانت أختهما . وفي كل مرة كانت أختهما تضع في الفتاة أو في عائلتها عيباً منفٍّراً ، فيصرف أحدهما النظر في موضوع الخطبة .
ومع تنامي هذه العلاقة العائلية ، بدأت تلوح في الأفق ، الرغبة في أن أتزوج الأخت الأصغر . ثم أصبحت هذه الرغبة عرضاً مباشراً فيه إغراء مالي كبير .
وعلى الرغم من أنني لم يكن لدي اعتراض على الفتاة لا من الناحية الجمالية ، ولا بسبب عرضهم المالي ، إلا أنني وجدت ظاهرة تبعث على الرفض ، وعدم الرضا ، لأسباب عدة أهمها أن الفتاة كانت تكبرني بسنتين ، وأنها ليست مؤهلة للإنجاب ، وثالثاً لكون أخوالها كلهم لم ينجبوا . وبدأت أُحمّل المسؤولية في ذلك كله لهذه الأم .
فهي التي تقف وراء عدم زواج أخويها بغية أن تستحوذ على مالهما ، وكنت أرى أن موقفاً كهذا من أخت تجاه أخويها أمر شاذ غير مألوف . فما من أخت إلا ويسعدها أن ترى إخوتها متزوجين .
ثم شعرت أن شكوكي هذه لها ما يبررها ، وذلك عندما عرضت البنت الكبرى رغبتها في زواجي من أختها قائلة : إن أختي تملك جهاز عروس كاملاً من أثاث إلى لباس إلى مجوهرات . لقد كانت مخطوبة من قبل ، وفي ليلة زفافها ، وعندما حضر أهل العريس ليأخذوها ، افتعلت أمها سبباً تافهاً لهم ورفضت بإصرار منحهم إياها .
أمام حقائق مخيفة عن أم كهذه ، دفعني إلى إعلان رفضي تماماً لتحقيق هذا الزواج . لكن ظاهرة أخرى أشد خطورة بدأت تظهر أمامي . فهذه المرأة التي كنا نسكن عندها أصبحت مختلفة في سلوكها عما كانت عليه قبل الحرق ، وعما أصبحت عليه بعده . كانت من قبل ترتدي طقماً من قطعتين هما تنورة طويلة وجاكيت وتضع على رأسها إيشارباً أبيض محجباً ، وتذهب إلى عملها بهذا الزي دائماً .
لكنها بعد الحرق ، أصبحت ترتدي جلباباً وفوقه عباءة سوداء ، وتغطي رأسها بإيشارب أبيض محجب وتضع فوقه منديل سميك يغطي وجهها تماماً .
ولا بد أن يكون مظهر كهذا دليلاً على استغراقها في التدين . لكنها كانت عندما تأتي من عملها تخلع ملابسها هذه ، متجنبة أي نوع من أنواع الحشمة . ثم بدأت تظهر منها حركات مريبة ، فيها شيء غير قليل من الإغراء ، وخاصة إذا كانت أمي غير موجودة ، وإذا كان زوجها غائباً .
أمام دعوة مفتوحة كهذه لم يكن أمامي من خيار إلا أن أخرج من البيت باكراً وألا أعود قبل منتصف الليل .
فإذا ما حدث أن كان هناك يوم عطلة ، جلست في غرفتي مغلقاً بابـها ، وقد جعلت في جزء منها مكاناً شبيهاً بمطبخ صغير ، حتى لا أحتك بـها في مطبخها .
وأمام هذا التناقض في شخصيتها كانت حيرتي تزداد ، فهي في مظهرها خارجاً متدينة شديدة التدين ، وهي في بيتها ومع وجود رجل غريب عنها متحررة تماماً من أية قيود .
لقد كنت شاباً يملك الغريزة الجنسية الملحة ، لكنني كنت أحمل إرثاً دينياً ربما لم تكن شدته اليوم بالمقدار نفسه الذي كنت عليه من قبل . ومع ذلك فإنني لا أستطيع أن أرمي به كله أمام نزوة جنسية عابرة .
ثم إن هذا الرجل الذي أسكن عنده قد آواني أنا وأمي وأحسن إلينا ، ومما لا يقبله عقل أو ضمير أن أرد عليه إحسانه بأن أخونه في زوجته .
وإذا كنت قد وجدت حلاً من وجودي في البيت نهاراً ، فكيف لي أن أجد حلاً لغرائزي التي تلح علي ليلاً ؟
واخترعت حلاً جديداً وجريئاً لهذا الموقف ، وهو أن ألجأ إلى كتابة الشعر مفتعلاً موقفاً في ذهني ، وصابّاً طاقتي كلها في التعبير الشعري عن هذا الموقف ، مانحاً قدرتي على التخيل أقصاها ، وصارفاً ذهني تماماً عن أية رغبات جنسية تراودني . إنني لا أريد من خلال تحليل لهذا الموقف الذي كنت أعانيه ، أن أبرز نفسي على أنني شاعر .
صحيح أن لديّ مجموعة من القصائد ، ولكنني ما كتبتها لكي أصبح شاعراً ، وإنـما لأنها كانت الفرصة المتاحة لي لكي أصعّد غرائزي في اتجاه أسمى بكثير من رغبة مؤقتة ، ونزوة عابرة .
هذه الحال التي وصفتها بدقة وأمانة ، لازمتني لخمس سنوات متتالية ، ولكنها عندما أدركت أنني لست ذلك الشاب الذي يحقق لها رغبتها ، بدأت تناصبني وأمي العداء .
وكانت لها قدرة عجيبة على افتعال موقف ما يثير مشكلة مع زوجها ، بغية طردنا من البيت . ولم يكن أمامنا من حل إلا أن نهرب من البيت صباحاً ، فأنا أذهب إلى عملي ، ثم فيما بعد إلى قطعتي العسكرية؛ وأمي تذهب إلى بيت أخيها ، أو إلى بيت من بيوت الجيران .
لقد حاولت أكثر من مرة ـ أثناء فترة غوايتها ـ أن أنبّه زوجها إلى ضرورة أن تكون زوجته أكثر حشمة وخاصة إذا كنت موجوداً ، وفي كل مرة كان يرد علي قائلاً : إنها مثل أختك ، وأنا أعتبرك أخاً لها .
إجابة كهذه منه كانت تزيد من حنقي عليه ، وكنت أتساءل : أين رجولتك ؟ وأين غيرتك على عرضك ؟
وبدأت أشعر أنه رجل مسلوب الإرادة ، وهو معها ضعيف الشخصية ، فرغباتها أوامر ، وإشارتها تنفيذ .

الزواج
عدت إلى عملي بعد انتهاء خدمتي العسكرية ، وكان لي صديق عزيز على قلبي ، أُصيب بمرض السرطان ، ولشدة محبته لي طلب مني أن أمضي معه أيامه الأخيرة .
وكنت أرغب أن أرتبط معه برباط دائم سواء كان حياً أم ميتاً ، ففاتحته بخطبة أخته وكانت آخر فتاة عندهم وأصغر أخواتها سناً ، فوعدني خيراً .
مرت إحدى وعشرون ليلة على خدمتي له ليلاً ونهاراً ، وقد قام لفيف من أصدقائي الأطباء بالإشراف عليه مجاناً محبة لي .
وصباح يوم وفاته جمع أهله وقال لهم : لي وصية واحدة هي أن تمنحوا أختي زوجة له . توفي الشاب ـ رحمه الله تعالى ـ بين يديّ ، فقمت بما يقتضيه الواجب في مناسبة كهذه . لكنني فوجئت أن الوصية التي أوصى بـها ، إنـما فهموا نقيضها ، فناصبوني عداء سافراً ورفضاً مطلقاً ، وكان ذلك أمراً يثير دهشتي حقاً .
لقد كنت ألمس منهم قبل وفاته وأثناءها ترحيباً حاراً هو الذي دفعني إلى أن أرد على ذلك بخدمة ابنهم ، ولو كنت أعلم عدم قناعتهم بي لما أقدمت على خطبة هذه الفتاة . لقد كان موقفهم غير مبرر إطلاقاً . وانقلبوا ما بين يوم وليلة من محبة مطلقة إلى عداء مطلق .
من يستطيع وقتذاك أن يجد مبررات عقلية مقنعة لموقف متناقض بين يوم وليلة ؟ لكنني اليوم ـ والقارئ معي ـ أستطيع أن أجد المبرر العقلي لكل هذا ، بعد أن تستوفي هذه التجربة التي توشك على البدء شروطها .
ولكنني لا بد لي من أن أبين أن زواجي من تلك الفتاة قد تم برغبتها وبإصرارها . وكان لا بد لي من البحث عن بيت أتزوج فيه ، فقدم لي أحد أصدقائي بيتاً مؤقتاً ، فخرجت أنا وأمي من تلك الغرفة في ذلك البيت معتقداً أن المعاناة التي عشتها فيه قد ولت إلى غير رجعة .
لكنني فوجئت في ليلة زفافي ولأسبوع بعدها أنني مسلوب الرجولة ، وأنني لا أملك تلك القوة الجنسية التي كانت تجتاحني من قبل .
مَن فعل هذا ؟ ومَن له هدف فيه ؟ إجابات ستأتي فيما بعد .