المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم الرؤية3


مسك الليل
2010-06-06, 06:30 PM
الغواية بين يدي
خلال السنوات السابقة ، امتدت بيني وبين مدرس من بلدي علاقة اجتماعية عميقة . كان شاباً هادئاً متزناً ، اقترن بفتاة تكبره بسنتين ، بعد علاقة حب بينهما في الجامعة . وكلاهما يدرّس اللغة الإنجليزية .
وكانت زوجته ـ وهي في مثل سني ـ على نقيضه تماماً ، فلقد كانت امرأة عصبية المزاج ، حادة الطبع ، لا أثر لأي تدين عليها ، بل كانت لا تتورع أحياناً عن التفوه بعبارات فيها سخرية بالدين ورجاله .
ولكونهما يسكنان قريباً من منزلي ، ولم ينجبا أطفالاً خلال هذه السنوات ، فقد اعتادا أن يحضرا إلينا في كل يوم تقريباً .
وكنت ألاحظ أنها كانت تتعمد أن تجلس مقابلي تماماً ، وهي مكشوفة الصدر ، عارية الساقين ، وتشعل سيجارتها أثناء حديثها . فإذا ما فرغت علبة السجائر منها قالت لزوجها : قم وأحضر لي علبة من المحل .
كان هذا السلوك منها يستفزني ، عندما أرى رجلاً متزناً ، وقد أصبح طوع بنان زوجته ، هذا الثنائي كان يذكرني تماماً بالثنائي الذي كنت أسكن عندهما ، ما خلا أن تلك المرأة كانت ترتدي زياً مستغرقاً في التدين ، أما هذه فكانت سافرة متبرجة . لقد كان جوهرهما واحداً ، لكن الشكل الخارجي لهما مختلف .
لقد كان حضورهما شبه اليومي مغطى بغلاف اجتماعي رقيق ، هو أنها تحضر لمساعدة زوجتي في تربية أطفالها ، فقد أصبح عددهم أربعة .
ولما كانت مدرستها تقع على خط مدرستي ، فإن زوجها بدأ يطلب مني أن أقوم بتوصيلها لأنه مضطر للحضور إلى مدرسته في هذا اليوم باكراً .
ثم أصبح طلبه هذا يتكرر إذا كان هو متأخراً ، ولم يعد لديه الوقت الكافي لإيصالها . فإذا ما صعدت إلى سيارتي ، جلست بقربي قائلة : إنني لن أجلس في الخلف فأنت لست سائقاً عندي . وتقوم بإشعال سيجارتها ، ووضع ساق على أخرى كاشفة بذلك عن ساقيها وكأنها تدعوني دعوة غير مباشرة لكي أضع يدي عليها .
وبدأ عقلي يتيقظ ، إن هذه المرأة تدعوني إلى ما كانت تلك تدعوني إليه ، ولكن هذه المرة بجرأة ووقاحة وثقة بالنفس .
ومع التمادي في ذلك ، لم أجد بداً من طردهما ، فكنت أفتعل الأسباب ، ومع ذلك فقد كانا يغيبان عني أسبوعاً ثم يعودان حاملين طبقاً من الحلوى وهي تقول : إنني أعلم أنك تطردنا ، وإذا كان لا بد من ذلك فيجب أن نفترق على حلوى .
وبذلك كانت تفوت عليّ الفرصة في استمرار هذا الطرد . لكنني في آخر مرة عقدت العزم على ذلك .
فإذا كنت في فترة شبابي وعزوبيتي قد نجوت من ذلك ، فهل يمكن لي بعد أن تزوجت وأصبح لدي أطفال أن أفعل ذلك ؟.
ولم يكن أمامي من حلٍ سوى أن أضع سيارتي في مكان بعيد عن بيتي إشارة لهم أننا لسنا في البيت . ثم صرف الله كيد هذه المرأة عني .
ومن المؤكد أنني اختصرت قصة هذه المرأة وكثّفتها بإيجاز مبالغ فيه . إذ أن شخصيتها بما فيها من ثقة وجرأة وقدرة على تحقيق ما تريده تستحق أن تفرد لها رواية طويلة لا تقل عن شخصية مدام بوفاري التي سطرها الروائي ( فلوبير ) وإن كان هناك تباين كبير بينهما .
وما أقدمت على هذا الإيجاز لشخصيتها إلا لأنني لا أريد لهذه التجربة الممتدة أن تخرج عن خط سيرها الذي وضعته لها .