المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة لشيخ بن عثيميين عن مفطرات الصيام وحكم تارك الصلاة في رمضان <<


عبسي الحمديني
2010-08-11, 01:05 PM
خطبة لشيخ بن عثيميين عن مفطرات الصيام وحكم تارك الصلاة في رمضان <<

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدُ لله الذي بيَّن لعباده الحرام والحلال، وحدَّ لهم حدودًا بيِّنة المعالم لا غموض فيها ولا إشكال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكبير المتعال، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أهدى الخلق وأبقاهم لله في المقام والفعال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان ما تعاقبت الأيام والليال، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واشكروه على ما أبان لكم من معالم الدين، والتزموا طاعته وتقواه سيرة النبيين والمرسلين؛ فإن الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، ألا وإن مِمّا حدَّه الله وأوضحه وأبانه وأظهره، ذلكم الصوم الذي هو أحد أركان الإسلام، فقد بيَّن الله ابتداءه وانتهاءه شهريًّا، وابتداءه وانتهاءه يوميًّا، بيّن ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: ﴿فمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة:185]،وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»(1)، وقال تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[البقرة:187]، الخيط الأبيض: بياض النهار، والخيط الأسود: سواد الليل، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: «كلُوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»(2)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا - وأشار إلى المشرق - وأدبر النهار من هاهنا - وأشار إلى المغرب - فقد أفطر الصائم»(3)، فمتى شاهد الإنسان الفجر المعترض في الأفق أو سمع المؤذن الثقة الذي لا يؤذن حتى يطلع الفجر وجبَ عليه الإمساك، ومتى شاهد قرص الشمس غائبًا في الأفق ولو كان شعاعها باقيًا في السماء أو سمع المؤذن الثقة الذي لا يؤذن حتى تغرب الشمس حلَّ له الفطر .
أيها الناس، إنَّ الصوم هو: الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطّرات، والمفطّرات سبعة أنواع:
الأول: «الجِماع: وهو أعظم المفطّرات وأشدها وفيه الكفارة المغلّظة إذا حصل في نهار رمضان مِمَّن يجب عليه الصوم، فإذا جامَعَ الإنسان زوجته في نهار رمضان والصوم واجب عليه وجبت عليه الكفارة مع الإثم والقضاء والإمساك بقيَّة اليوم، والكفارة: عتقُ رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يُفطر فيهما يومًا واحدًا إلا من عذر، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا»(4)، أما إذا كان الصوم غير واجبٍ عليه فإنه ليس عليه إلا القضاء، فلو كان صائمًا في السفر ومعه زوجته ثم جامَعَها فإنه ليس عليه كفّارة، وليس عليه إثم، وإنّما عليه القضاء فقط .
الثاني: «إنزال المني باختياره بتقبيلٍ، أو لمسٍ، أو ضمٍّ، أو استمناء أو غير ذلك»(5)، فأما إنزال المني بالاحتلام فلا يفطّر؛ لأنه من نائم، والنائم لا اختيار له .
الثالث: «الأكل والشرب»(6) وهو: إيصال الطعام أو الشراب إلى جوفه، سواء كان الطعام أو الشراب حلالاً، أم حرامًا، نافعًا أم غير نافع، وسواء كان عن طريق الفم أم عن طريق الأنف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بالِغْ بالاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»(7)، يعني: في الوضوء يبالغ الإنسان في الاستنشاق إلا أن يكون صائمًا، فدلَّ هذا على أن الداخل من الأنف كالداخل من الفم، فأما شَمُّ الروائح فلا يفطّر؛ لأنه ليس للرائحة جرمٌ يصل إلى الجوف .
الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب، مثل: الحقَن المغذِّية التي يُستغنى بها عن الطعام والشراب؛ لأنها بمعنى الطعام والشراب، فأما الإبر غير المغذّية فإنها لا تفطّر سواء أُخذت للتداوي أم لغيره، وسواء أُخذت مع العروق أم مع العضلات؛ لأنها ليست بمعنى الأكل و الشرب، والأصل بقاء الصوم حتى يثبت ما يفسده بنص، أو إجماع، أو قياس صحيح .
الخامس: إخراج الدم بالحجامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطرَ الحاجم والمحجوم»(8)، فأما أَخْذُ الدم من البدن للتحليل فإنه لا يفطّر؛ لأنه يسير لا يؤثّر على البدن كتأثير الحجامة، ولا يفطّر خروج الدم بالرعاف ولو كثر؛ لأنه بغير اختياره، ومثل ذلك: لو خرج الدم من جرح سكين، أو زجاجة، أو حادث ولو كثر؛ لأنه بغير اختياره، ولا يفطّر خروج الدم من قلع السن أو الضرس، لكن لا يبلع الدم؛ لأن بلعه حرام على الصائم وغيره، فإن وصل شيء من الدم إلى جوفه بغير اختياره فلا حرج، ولا يفطر بشق الجرح لإخراج المادة منه ولو خرج معها دم، فأما سحب الدم من شخص ليُحقَنَ في شخص آخر فإنه يفطّر؛ لأنه كثير يؤثر على البدن تأثير الحجامة؛ وعلى هذا فلا يحل لِمَن صومه واجب أن يمكِّن أحدًا من سحب الدم منه إلا أن يكون لشخص مضطر لا يمكن تأخيره إلى الغروب، فإذا سُحب الدم لهذه الضرورة فإن الإنسان يُفطر، وله أن يأكل ويشرب بقية يومه وعليه أن يقضي يومًا مكانه .
السادس: القيء وهو: إخراج ما في معدته من طعام أو شراب، فإن خرج بنفسه بدون تعمّد فلا حرج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن ذرعه القيء- أي: غلَبَه -فليس عليه قضاء، ومَن استقاء عمدًا فليقْضِه»(9) .
وهذه المفطرات الستة لا تفطّر الصائم إلا إذا فعلها عالِمًا، ذاكرًا، مُختارًا، فإن فعلها جاهلاً لم يفطر، سواء كان جاهلاً بالحكم أم جاهلاً بالوقت، فمَن أكل مثلاً يظن أن الفجر لم يطلع وهو طالع أو يظن أن الشمس قد غربت ولم تغرب فصومه صحيح ولا قضاء عليه؛ لأن الله - عزَّ وجل - يقول: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾[الأحزاب: 5]، وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: «أفطرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم غيم ثم طلعت الشمس»(10)، ولم يُذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالقضاء، فلو كان القضاء واجبًا لأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أمرهم بالقضاء لنُقِلَ إلى الأمة؛ لأنه من الشرع الذي تكفَّل الله ببيانه وأوجب على رسوله - صلى الله عليه وسلم - تبليغه، لكن متى علم الإنسان أنه في نهار وجب عليه أن يُمسك فإن استمر بعد علمه بطل صومه .
ومَن أتى شيئًا من المفطرات ناسيًا فصومه تامٌّ ولا قضاء عليه لقول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة:286]، فقال الرب الكريم: قد فعلت، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن نسي وهو صائم فأكل أو شرب فلْيتمّ صومه فإنما أطعمه الله وسقاه»(11)، لكن متى ذكر أو ذُكِّر وجب عليه أن يُمسك حتى الذي في فمه يجب أن يلفظه، فإن بلعه بعد أن ذكره فسدَ صومه، ومَن رأى صائمًا يأكل أو يشرب ناسيًا فلْيذكِّره؛ فإنه من التعاون على البر والتقوى، ومَن حصل عليه شيء من المفطرات بغير اختياره فصومه صحيح، فلو طار إلى جوفه غبار، أو تسَّرب إليه ماء من المضمضة، أو الاستنشاق، أو اجتذب الماء أو البنزين باللي فوصل إلى جوفه شيء منه بغير اختياره فصومه صحيح ولا قضاء عليه .
النوع السابع من المفطرات: خروج دم الحيض والنفاس، فمتى خرج من المرأة دم الحيض أو النفاس قبل الغروب ولو بلحظة بطلَ صومها، فإن خرج بعد الغروب ولو بلحظة فصومها صحيح ولا قضاء عليها .
«ويجوز للصائم أن يكتحل بأي كحل شاء، ويجوز للصائم أن يقطّر دواءً في عينيه أو أذنيه ولا يفطر بذلك ولو وجد طعمه في حلقه، ويجوز للصائم أن يداوي جروحه وأن يتطيّب بالبخور وغيره لكن لا يستنشق دخان البخور فيصل إلى جوفه»(ث).
ويجوز للصائم أن يفعل ما يخفِّف عنه مشقة الحر والعطش كالتبرُّد بالماء وبَلِّ الثوب ونحوه، فقد روى مالك عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر»(12) - يعني: وهو صائم - «وبَلَّ ابن عمر - رضي الله عنهما - ثوبه وألقاه على بدنه ليبرِّده، ويجوز للصائم أن يتمضمض إذا نشفَ فمه ولكن لا يبتلع الماء، ويجوز أن يستاك في أول النهار وآخره، بل السواك سنَّة في حق الصائم وغيره»(13)، «متأكد عند الوضوء والصلاة والقيام من النوم»(14)، «ودخول البيت أول ما يدخل»(15).
فاحفظوا - أيها المسلمون - صيامكم وحافظوا عليه، والتزموا فيه حدود الله غير مغالين ولا مفرِّطين؛ فإن دين الله تعالى وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، «تسحَّروا فإن في السحور بركة»(16)، «وأخِّروا السحور فإن تأخيره أفضل»، وأفطروا إذا غربت الشمس وبادروا بالفطر «فلا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر»(17)، «وأفطروا على رطب، فإن لم يكن فتمر، فإن لم يكن فماءٌ فإنه طهور»(18)، فإن لم يكن فَعَلى أي طعام أو شراب حلال، فإن غابت الشمس وأنت في مكان ليس فيه ما تفطر به فانْوِ الفطر بقلبك، ولا تمصّ أصبعك أو تعلك ثوبك كما يظنه بعض العوام .
وحافظوا على طاعة ربكم، وأكْثروا منها في صومكم، واجتنبوا ما حرّم الله عليكم من اللغو الرفث «وقول الزور والعمل به»(19)، «وإن سابَّك أحدٌ أو شاتَمَكَ فقل: إني صائم واتركه»(20)، أقيموا الصلاة جماعة في المساجد، ولا تهاونوا بها فتضيّعوها، واعلموا أن كل واجب ضيّعتموه أو محرّم فعلتموه فإنه نقص في إيمانكم وصيامكم .
أيها المسلمون، ابتعدوا عن استماع المعازف آلاتِ اللهو من الراديو أو غيره؛ «فإن الصوم جُنَّة»(21) يتَّقي بها الصائم من الآثام وينجو بها من النار، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:183] .
اللهم احفظ علينا ديننا ورغّبنا فيه، وثبّتنا عليه، و ﴿لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8] .
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيّك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

عبسي الحمديني
2010-08-11, 01:06 PM
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيّك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى، وإن ها هنا مسألةً هامَّةً هامَّةً هامَّةً، ألا وإنها تقع من بعض الناس الجاهلين، يوجد بعض الناس يصوم ولكنه لا يصلّي، يزكِّي ولكنه لا يصلّي، يعتمرُ ولكنه لا يصلّي، يتصدّق ولكنه لا يصلّي .
وإني أقول لهذا الرجل: إن صومك غير مقبول، وصدقتك غير مقبولة، وعمرتك غير مقبولة، وعملك مردود عليك، لو صمت الليل والنهار وتصدَّقت بكل مالك واعتمرت عدَّة مرات فإن الله لا يقبله منك حتى تعود إلى دينك بالصلاة؛ لأن الإنسان الذي لا يصلّي كافرٌ خارجٌ عن الإسلام، لا يقبل الله منه زكاةً، ولا صومًا، ولا حجًّا ولا عمرةً؛ لأن الله يقول في الكافرين: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾[الفرقان:23]، ويقول: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة:54] .
وقد دلَّت أدلة الكتاب والسنَّة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح على أن تارك الصلاة كافرٌ كفرًا أكبر مخرجًا عن الملّة، وقد ذكرنا ذلك مرارًا وتكرارًا .
وفي هذا اليوم نشرت جريدة الجزيرة فتوًى صادرة عن اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية تقول مثل هذا القول: إن هذا الصائم لا يُقبل منه صومه إذا كان لا يصلّي.
أيها المسلمون، إن الصلاة أمرها عظيمٌ ليس بالهيِّن، إنه من المؤسف حقًّا أن يصوم بعض الناس ولا يصلّي وهذا قد فُرغ منه وصومه مردود عليه وليس له من صومه إلا الجوع والظمأ، وإن من الناس مَن يصوم ويصلّي ولكن يصلّي على الفرغة؛ متى استيقظ صلّى ومتى فرغ من شغله صلّى، وهذا إذا تعمّد إخراج الصلاة عن وقتها بدون عذر شرعيٍّ فإن صلاته غير مقبولة بل هي مردودة عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(22)، ومَن صلّى الصلاة خارج وقتها بدون عذر فقد فعل فعلاً ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون مردودًا عليه .
أيها الإخوة الكرام، إنه بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك ينبغي للإنسان أن يُجدِّد التوبة بينه وبين ربه، ينبغي له أن يقوِّي الصلة بينه وبين الله عزَّ وجل، عسى أن يوفَّق لصيام رمضان إيمانًا واحتسابًا وقيامه إيمانًا واحتسابًا فيُغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وحينئذٍ يعود بعمر جديد ويعود بأعمال جديدة؛ إنه إذا غُفر له ما تقدم من ذنبه وجَدَ له من نفسه انشراح الصدر، وطمأنينة القلب، والرضى التام، والأنس والسرور؛ لأنه واللهِ لا أنسَ ولا سرور حقيقةً إلا بطاعة الله عزَّ وجل .
أيها المسلمون، استمعوا إلى قول الله عزَّ وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل:97].
إن الحياة الطيِّبة سرور القلب ونعيم النفس، وليست واللهِ كثرة المال، ولا كثرة الأولاد، ولا حُسن المساكن، ولا فخامة المركوب، ولكنها سرور القلب حتى قال بعض السلف: «لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لَجالَدونا عليه بالسيوف»(م)الملوك أعلى مَن يكون تنعُّمًا في هذه الدنيا ولكنهم ليسوا كالذين آمنوا وعملوا الصالحات في سرور القلب، وانشراح الصدر، وطمأنينة النفس .
أيها الناس، اغتنموا شهر رمضان بالأعمال الصالحة، كم من إنسان في المقابر يتمنّى أن يدرك رمضان لكنه لم يحصل له ! كم من إنسان شارَفَ الوصول إلى رمضان ولكن حال بينه وبينه ريب المنون ! كم من إنسان أدرك أول الشهر ولم يدرك آخره ! كم من إنسان أدرك آخر الشهر ولكنه لم يدركه بعد ذلك !
اغتنموا - أيها المسلمون - فرص الدهر، اغتنموا هذه المواسم العظيمة التي أسأل الله أن يجعل لي ولكم منها خير نصيب .
إنه بمناسبة شهر رمضان المبارك أوجِّه كلمة إلى الإخوة الذين يشربون الدخان لعلَّ الله أن يعصمهم في هذا الشهر، إنهم لن يشربوا الدخان في نهارهم فلْيتصبَّروا في ليلهم، فإذا مضى عليهم الشهر فإنه بحول الله سيزول عنهم ما كان في دمائهم من أثر هذا الدخان الخبيث ثم يسهل عليهم بعد ذلك تركه على الإطلاق إذا صحَّت النيَّة وصدقت العزيمة واستعانوا بالله عزَّ وجل؛ فإن الله - عزَّ وجل - أكرم من عبده إذا أقبل العبد إلى ربه أقبل الله إليه أكثر .