![]() |
علم الرؤية 2
التجربة
كثيراً ما يُطرح عليّ هذا السؤال : كيف أصبحتَ معبّراً ؟ ولا أجد رداً على هذا السؤال أوضح مما قاله الإمام اللقانيّ رحمه الله تعالى في تعريف الكرامة ، وتحديد صفاتها حيث يقول : (( الكرامة أمر خارق للعادة ، غير مقرون بدعوى النبوة ، ولا هو مقدمة لها . وتظهر على رجل ظاهر الصلاح ، ملزم بمتابعة نبي ، مكلفٌ بشريعته . مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح ، علم بـها أو لم يعلم )) . حملتني الطائرة المتجهة إلى الكويت مدرساً لمادة اللغة العربية في وزارة التربية هناك مع مطلع العام الدراسي 1977-1978 . وما كادت قدماي تستقران في عملي ، حتى بدأت مشاعر الكراهية لي تتجلى في تصرفات مدير المدرسة ، وكثيراً ما كنت أراه يتلصص عليّ ، وأنا داخل صفي . ثم زاد الأمر سوءاً مفتش المادة الذي كان يستفزني في تصرفاته معي ، وفي كلامه . وكنت أتحمل ذلك مقنعاً نفسي بأنني مدرس جديد يريدون أن يتحققوا من خبرتي ونشاطي وانتظام عملي . ثلاث سنوات مرّت عليّ في هذه المدرسة اللعينة بمديرها ومفتشها ، وانتهى بهم المطاف إلى نقلي إلى مدرسة كانت قريبة من منزلي . ولعام واحد أمضيت سنة دراسية هادئة وممتعة ، ومع مطلع العام الدراسي التالي جاءني المفتش الإرهابي نفسه ليستكمل معي وحدي أسلوبه السابق دون بقية زملائي . وكنت إذا ما تحدثت أمامهم عن أسلوبه معي ، دافع جميعهم عنه بكل حماسة . لكنّ قدميّ كانت راسخة هنا لأنني أدرس مادة جديدة هي ( النشاط الحر ) وهي مادة كان المدرسون يتهربون منها ، وقد أثبتُّ فيها جدارة كفيلة بحماية مديري لي . في هذه الأثناء كانت تلك المرأة وزوجها قد حصلا على عقدين للتدريس في دولة خليجية أخرى . وفي صيف عام 1983 ـ وأنا في دمشق ـ رزقت بمولودة ، فجاءت هي وزوجها لتبارك لنا مع لفيف من النسوة الأقارب لي . وجلست النساء في غرفة ، وجلسنا نحن الرجال في غرفة أخرى . كنت قد أحضرت لزوجتي معي قميص نوم طويل من قطعتين داخلية وخارجية ، فقامت زوجتي التي كانت ترتدي القطعة الداخلية باستبدالها لما فيها من رائحة النفاس وعرق الولادة ، وآثار حليب الرضاعة . ولدى البحث عن هذه القطعة بعد مغادرتهم لم نجدها ، وثارت الشكوك حول السارق ، لكن هذه الشكوك هدأت أمام تفاهة قيمة القطعة المسروقة . ولكن جملة من الأسئلة بدأت تُطرح حول هذه القطعة . فهي لم تكن نظيفة لما عليها من آثار الولادة ، ولماذا القطعة الداخلية بالذات دون القطعة الخارجية ؟ وكلتاهما كانتا معاً ؟ ومع اقتراب موعد سفري ، طلبت تلك المرأة منا أن ترافقنا في سفرنا ، كل بسيارته ، ولم نجد مانعاً في ذلك ، لكنها كانت هي المرة الأولى والأخيرة في طلبها هذا . وافترقنا عند حفر الباطن ، نحن إلى الكويت ، وهم إلى الإمارات العربية . الرؤيا الصادقة الأولى في منتصف الشهر العاشر من شهر تشرين الأول من عام 1983 ، استيقظت من نومي ليلاً على رؤيا أفزعتني ، كانت من الشدة والوضوح بحيث أنني أصف أحداثها بعد أكثر من خمسة عشر عاماً ، وكأنني رأيتها في هذه الليلة . رأيت فيها أنني نائم على فراشي ، في غرفة نومي ، وإذا بي أسمع أصواتاً حادة على باب بيتي ، ثم يشتد الصوت؛ فأشعر كأن هناك أحداً يريد أن يقتحم بيتي . فأسرع إلى الباب الخارجي ( وأنا في نومي ) وأنظر من العين الساحرة ، فأرى رجالاً ثلاثة ملثمين ، يحاولون دفع الباب بأيديهم ، فأضع كتفي على الباب مقاوماً دفعهم له؛ لكنهم ينجحون في دفعه ، فيقع الباب على الأرض ، فيمشي أولهم فوقه داخلاً إلى صالون البيت يريد مهاجمتي ، فأبحث عن أي شيء أدافع به عن نفسي ، فأجد عصا غليظة ، في رأسها قطعة حديدية حادة ، فأمسك بـها وأهوي عليه؛ فأصيبه ما بين شفته العليا ، وما بين أنفه ، فينفجر دمه ، وقد شق الحديد الحاد رأسه . كان أول حدث رئيسي لهذه الرؤيا ، بعد إحدى وعشرين يوماً ، أن صدر قرار بنقلي من مدرستي إلى مدرسة أبعد . وقد حاول ـ ناظر المدرسة ـ وأنا معه طيّ القرار لكنه لم يفلح ، وعندما أصرّ علي معرفة السبب قال له المسؤول عن النقل : إن مدرّساً لمادة النشاط الحر في تلك المدرسة ، أحدث شغباً مع طلابه ، فارتأينا نقله . فأجابه غاضباً : تأخذون مني مدرساً جاداً في عمله وهادئاً ، وترسلون لي بدلاً عنه مدرساً مشاغباً ؟ أي قرار هذا ؟ وفي صباح يوم السبت في 5/11/1983 ، انطلقت إلى مقر عملي الجديد ، كانت مدرسة جميلة مليئة بالأشجار ، وتحيط بـها الخضرة من كل جانب وعلى عكس ما توقعت ، فإنني رأيت طلابـها هادئين ، ليس لديهم أي ميل للشغب والانحراف . واستطعت أن أحصل على غرفة خاصة بي ، تمكنني من متابعة نشاط طلابي فيها . ولقد قمت بتدريب بعض من هؤلاء الطلاب على لعبة الشطرنج فاستطاعوا أن يحققوا المركز الأول في المسابقة التي أعلنت عنها وزارة التربية ، على جميع مدارس المرحلة الإعدادية في ذلك العام الدراسي 1983-1984 . استقراري في عملي ، واستقلالي في غرفة خاصة بي ، دفع المدرسين إلى زيارتي والتعرف عليّ وأصبحت هذه الغرفة ملتقى للمدرسين ، يتبادلون فيها الأحاديث ، ويرتشفون الشاي والقهوة . من بين هؤلاء كان هناك مدرّس للغة العربية ، قديم في المدرسة ، ذو خط جميل ينادونه ( أبو أكمل ) أما اسمه الحقيقي فهو ( محمود ) . مضت السنة الأولى ، ومحمود هذا ، كان يتردد على غرفتي بين الفينة والأخرى . ومع مطلع السنة الثانية ، أصبح يتردد بانتظام ، ثم دعاني إلى الغداء لدى عودتي من السفر . وبدأت العلاقة العائلية فيما بيننا تتنامى . كانت زوجته مدرّسة للغة العربية ، وابنه الأكبر يدرس في أمريكا ، وله ولدان ذكور سواه هما أصغر منه سناً ، وابنة واحدة . خطبت ابنته ، وتزوجت ، ودعينا إلى حفل زفافها . في هذه الأثناء كان عملي يثير اهتمام مديري ، ولأكثر من مرة استدعاني إلى مكتبه ، وكأنه يريد أن يحقق معي ، لمعرفة أسباب نقلي إليه . ولما لم يكن هناك أي سبب مباشر يدعو مديري السابق إلى نقلي ، قال لي : إن في الأمر سراً ، فأجبته : إن الحياة مليئة بالأسرار ، والرجل الناجح هو الذي يستطيع أن يكتشفها . ومرت السنة الثالثة والرابعة في هذه المدرسة على أحسن وجه . * * * * * |
الساعة الآن 09:52 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd