إلى كل خلية حية في الجسم, وتنزع منها الدم غير المؤكسد.
ومعروف لنا اليوم أنه طالما كان القلب صالحاً استقامت الدورة الدموية, ونالت كل خلية حية في الجسم حظها من الدم الذي يحمل لها الغذاء والأوكسجين, وبه يتم احتراق المواد الغذائية وانطلاق الطاقة, وإذا فسد القلب اختلت الدورة الدموية, واختل وصول الغذاء والأوكسجين إلى خلايا الجسم فيفسد.
ولكن للقلب في كتاب الله وفي سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي مفاهيم كثير من الناس مدلول غير تلك الكتلة من اللحم الرابضة في القفص الصدري تضخ الدم إلى كافة خلايا الجسم, وهو مدلول يتعلق بالعواطف والمفاهيم, والأفكار والعقائد والفهم، وركائز الأخلاق وضوابط السلوك, وهي قضايا ليس مقرها القلب العضلي وإن ارتبطت به بصورة لم يدركها الإنسان بعد, ويراه المفكرون من أمثال الإمام الغزالي في كيان معنوي, أو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب العضوي تعلق لا تدرك كنهه, ويرى الغزالي أن هذا القلب المعنوي هو حقيقة الإنسان, وهو الكيان المدرك العالم العارف من الإنسان,وهو المخاطب والمعاقب, والمعاتب, والمطالب ..., والقلب المعنوي أو اللطيفة الربانية مرتبطة بمعنى الروح وهو سر مغلق.
وبهذا المعنى أيضًا نرى لمحة إعجازية في حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي نحن بصدده, فإذا صلح مركز العواطف والمفاهيم والأفكار والعقائد وركائز الأخلاق وضوابط السلوك, إذا صلحت حقيقة الإنسان المدرك العالم العارف, صلح أمره كله, وإذا فسدت فسد أمره كله.
وهنا تتضح لمحة من لمحات الإعجاز في هذا الحديث النبوي الشريف إذا أخذ على جانبه المادي العضوي الملموس وإذا أخذ على جانبه المعنوي الروحاني الغيبي فإننا نجده صحيحًا دقيقًا شاملاً؛ فالقلب بمدلوله المادي هو قوام حياة الجسد، إذا صلح صلح الجسد كله, وإذا فسد فسد الجسد كله, والقلب بمدلوله المعنوي قوام العواطف والعقائد, والمفاهيم والأفكار, وركائز الأخلاق وضوابط السلوك، فإذا صلح صلحت كل هذه الزوايا, وبصلاحها ينصلح الجسد كله.
وهنا أيضًا يتكرر السؤال: من الذي علَّم هذا النبي الأمي كل هذه الحقائق غير الله الخالق؟
وما الذي كان يضطره إلى الخوض في مثل هذه القضايا الغيبية لو لم يكن واثقًا من مصادره, مؤيداً من قبل خالقه الذي يعلم بعلمه اللامحدود أن الإنسان سيصل في يوم من الأيام إلى إدراك شيء من تلك الحقائق فتكون هذه الإشارات العلمية إلى عدد من حقائق الأنفس والآفاق شهادة صدق على نبوة هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى لا يبقى للناس على الله حجة من بعده ؟.
فصلى الله وسلم وبارك عليه, وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى من تبع هداه, ودعا بدعوته إلى يوم الدين. والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم